فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبيّ إلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظرينَ إنَاهُ} فغير منصوبة لأنها نعت للقوم، وهم معرفة و{غير} نكرة فنُصبت على الفعل؛ كقوله: {أُحلَّتْ لَكُمْ بَهيمَةُ الأَنْعَام إلاَّ مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحلّى الصَّيْد} ولو خفضت {غَيْرَ نَاظرينَ} كَانَ صَوَابًا؛ لأنَّ قبلَها {طعامٍ} وهو نكرة، فتجعل فعلهم تابعًا للطعام؛ لرجوع ذكر الطعام في {إنَاهُ} كَمَا تقول العرب: رأيت زيدًا مع امرأة محسنٍ إليها، ومحسنًا إليها. فمن قال: {محسنًا} جعله من صفة زيد، ومَن خفضه فكأنه قال: رأيت زيدًا مع التي يُحْسن إليها. فإذا صَارت الصلة للنكرة أتبعتها، وإن كان فعلًا لغيرهَا. وقد قال الأعشى:
فقلت له هذه هَاتهَا ** فجاء بأدماءَ مقتَادهَا

فجعل المقتاد تابعَا لإعراب الأدماء؛ لأنه بمنزلة قولك: لأدماء يقتادهَا؛ فخفضته لأنه صلة لها. وقد ينشد بأدماء مقتادهَا تخفض الأدماء لإضافتها إلى المقتاد. ومعناه: بملء يَدىْ من اقتادها ومثله في العربية أن تقول: إذا دعوتَ زيدًا فقد استغثت بزيد مستغيثه. فمعنى زيد مدح أي أنه كافى مسْتغيثه. ولا يجوز أن تخفض على مثل قولك: مررت على رجل حَسَن وجهه؛ لأن هذا لا يصلح حتى تسقط راجع ذكر الأول فتقول: حسن الوجه. وخطأ أن تقول: مررت على امرأة حسنة وجهها وحسنة الوجه صواب.
وقوله: {وَلاَ مُسْتَأْنسينَ} في موضع خفض تُتبعه الناظرين؛ كما تقول: كنت غير قائم ولا قاعدٍ؛ وكقولك للوصىّ: كُلْ من مال اليتيم بالمعروف غيرَ متأثّل مالا، ولا واقٍ مالكَ بماله. ولو جعلت المستأنسينَ في موضع نصب تتوهَّم أن تُتبعهُ بغير لمّا أن حُلْت بينهما بكلام. وكذلك كلّ معنىً احْتمل وجهين ثم فرّقت بينهما بكلام جَاز أن يكون الآخر معربًا بخلاف الأوَّل. من ذلك قولكَ: ما أنت بمحسن إلى مَن أحسن إليك لا مُجْملًا، تنصب المُجْمل وتخفضه: الخفضُ عَلَى إتباعه المحسن والنصبُ أن تتوهم أنك قلت: ما أنت مُحسنًا. وأنشدنى بعض العرب:
ولستُ بذى نَيْربٍ في الصديق ** ومنَّاعَ خَيرٍ وسبّابهَا

ولا من إذا كان في جانب ** أضاع العشيرة واغتابها

وأنشدنى أبو القماقم:
أجدُّكَ لستَ الدهرَ رائىَ رامةٍ ** ولا عاقل إلاّ وأنت جَنيب

ولا مصعدٍ في المُصْعدين لمَنْعجٍ ** ولا هابطًا ما عشت هَضْب شَطيب

وينشد هذا البيت:
مُعَاوىَ إننا بَشَرٌ فَأَسجحْ ** فلسنا بالجبال ولا الحديدَا

وينشد: الحديدا خفضًا ونصبًا. وأكثر ما سمعته بالخفض. ويكون نصب المسْتأنسينَ على فعْلٍ مضمرٍ، كأنه قال: فادخلوا غير مستأنسينَ. ويكون مع الواو ضميرُ دخولٍ؛ كما تقول: قم ومطيعًا لأبيك.
والمعنى في تفسير الآية أنّ المسْلمينَ كانوا يدخلون على النبىّ عليه السلام في وقت الغَدَاء، فإذا طعمُوا أطالوا الجلوس، وسَألوا أزواجَهُ الحوائج. فاشتدّ ذلك علىالنبىّ صَلى الله عليه وسلم، حَتّى أنزل الله هذه الآية، فتكلّم في ذلكَ بعضُ الناس، وقال: أننهى أن ندخل عَلَى بنات عَمّنَا إلاّ بإذنٍ، أو من وَراء حجَاب. لئنَ مَات محمد لأتَزوّجَنّ بعضهنّ. فقام الآباء أبو بكرٍ وذووه، فقالوا: يا رسول الله، ونحن أيضًا لا ندخل عليهنّ إلاّ بإذنٍ، ولا نسألهنّ الحوائج إلاّ من وراء حجاب، فأنزل الله: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْهنَّ في آبائهنّ} إلى آخر الآية. وأنزل فىالتزويج {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَؤْذُوا رَسُولَ الله وَلاَ أَنْ تَنْكحُوا أَزْوَاجَهُ منْ بَعْده أبَدًا}.
{وَالَّذينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمنينَ وَالْمُؤْمنَات بغَيْر مَا اكْتَسَبُوا فَقَد احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإثْمًا مُّبينًا}.
وقوله: {وَالَّذينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمنينَ وَالْمُؤْمنَات بغَيْر مَا اكْتَسَبُوا}.
نزلت في أهل الفسق والفجور، وكانوا يتّبعونَ الإمَاء بالمدينة فيَفجُرونَ بهنّ، فكان المسلمونَ في الأخْبية لم يَبْنُوا ولم يستقرّوا. وكانت المرأة منْ نساء المسلمينَ تتبرّز للحاجة، فيعرض لها بعض الفجّار يُرى أنها أمَة، فتصيح به، فيذهب. وكان الزّىُّ واحدًا فأُمر النبىُّ عليه السلام {قُلْ لأَزْوَاجكَ وَبَنَانكَ ونساء المؤمنين يُدْنينَ عَلَيْهنَّ منْ جَلاَبيبهنَّ ذَلكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} والجلبابُ: الرداء.
حَدثنا أبو العبّاس قال حدثنا محمد قال: حدَّثنا الفرّاء قال حدَّثنى يحيى بن المُهَلَّب أبو كُدَيْنة عن ابن عون عن ابن سيرين في قوله: {يُدْنينَ عَلَيْهنَّ منْ جَلاَبيبهنّ}.
{يا أَيُّهَا النَّبيُّ قُل لأَزْوَاجكَ وَبَنَاتكَ وَنسَاء الْمُؤْمنينَ يُدْنينَ عَلَيْهنَّ من جَلاَبيبهنَّ ذالكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحيمًا}.
وقوله: {يُدْنينَ عَلَيْهنَّ من جَلاَبيبهنَّ} هكذا: قال تُغَطّى إحدى عينيهَا وجبهتَها والشّقّ الآخر، إلاّ العين.
{لَّئن لَّمْ يَنتَه الْمُنَافقُونَ وَالَّذينَ في قُلُوبهمْ مَّرَضٌ وَالْمُرْجفُونَ في الْمَدينَة لَنُغْريَنَّكَ بهمْ ثُمَّ لاَ يُجَاورُونَكَ فيهَآ إلاَّ قَليلًا}.
وقوله: {لَنُغْريَنَّكَ بهمْ}.
المرجفون كانوا من المسْلمين. وكان المؤلّفة قلوبهم يُرجفون بأهل الصُّفَّة. كانوا يشنّعون على أهل الصُّفَّة أنهم هم الذينَ يتناولُونَ النساء لأنهم عُزَّاب. وقوله: {لَنُغْريَنَّكَ بهمْ} أي لنسلّطَّنك عليهم، ولنُولعنّك بهم. وقوله: {إلاَّ قَليلًا}.
حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قَالَ ب حدّثنا الفرّاء قال: حدّثنى حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح قال قال ابن عبَّاس لا يجاورونكَ فيها إلا يسيرًا، حتَّي يهلكوا. وقد يجوز أن تجعل القلّة من صفتهم صفة الملعونين، كانك قلت: إلا أقلاّءَ ملعونين؛ لأنَّ قوله{أَيْنَما ثُقفُوا أُخذُوا} يدلّ على انهم يَقلُّون ويتفرّقون.
{مَّلْعُونينَ أَيْنَمَا ثُقفُوا أُخذُوا وَقُتّلُوا تَقْتيلًا}.
وقوله: {مَّلْعُونينَ}.
منصوبة على الشتم، وعلى الفعل أي لا يجاورنكَ فيها إلاّ ملعونين. والشتم على الاسْتئناف، كما قال: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالةَ الْحَطَب} لمن نصبه. ثم قال: {أَيْنَمَا ثُقفُوا أُخذُوا} فاستأنف. فهذا جزاء.
{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ في النَّار يَقُولُونَ يالَيْتَنَآ أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ}.
وقوله: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ في النَّار}.
والقراء على {تُقَلَّبُ} ولو قرئت {تَقَلَّبُ} و{نُقلَّبُ} كانا وجهين.
وقوله: {وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ} يوقف عليها بالألف. وكذلكَ {فأَضَلُّونَا السَّبيلاَ} و{الظُّنُونَا} يوقف على الألف؛ لأنها مثبتة فيهنّ، وهى مع آيات بالألف، ورأيتها في مصَاحف عبدالله بغير ألف. وكان حمزة والأعمش يقفان عَلَى هؤلاء الأحرف بغير ألفٍ فيهنَّ. وأهلُ الحجاز يقفون بالألف. وقولهم أحبّ إلينا لاتّباع الكتاب. ولو وُصلت بالألف لكان صَوَابًا لأن العرب تفعل ذلكَ. وقد قرأ بعضهم بالألف في الوصل والقطع.
{وَقَالُوا رَبَّنَآ إنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبيلا}.
وقوله: {إنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا}.
واحدة منصوبة. وقرأ الحسن {سَاداتنا} وهى في موضع نصبٍ.
{رَبَّنَآ آتهمْ ضعْفَيْن منَ الْعَذَاب وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبيرًا}.
وقوله: {لَعْنًا كَثيرًا}.
قراءة العوامّ بالثاء، إلاّ يحيى بن وثّاب فإنه قرأها {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبيرًا} بالباء. وهى في قراءة عبدالله. قال الفراء: لا نجيزه. يعنى كثيرًا.
{لّيُعَذّبَ اللَّهُ الْمُنَافقينَ وَالْمُنَافقَات وَالْمُشْركينَ وَالْمُشْركَات وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمنينَ وَالْمُؤْمنَات وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحيمًا}.
وقوله: {لّيُعَذّبَ اللَّهُ الْمُنَافقينَ وَالْمُنَافقَات وَالْمُشْركينَ وَالْمُشْركَات وَيَتُوبَ}.
بالنصب عَلَى الإتباع وإن نويت به الائتناف رفعتة، كما قال: {لنُبَيّنَ لَكُمْ وَنُقرُّ في الأرْحَام} إلا إن القراءة وَيَتُوبَ بالنصب. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة الأحزاب:
{يا أيها النبي اتق الله} (1) أي: أكثر من التقوى. وقيل: أدمها.
{ولا تطع الكافرين} فيما سألته وفد ثقيف أن يمتعوا باللات سنة.
{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} (4) أي: اعتقادين. وقيل: نزلت في رجل قال: لي نفس تأمرني بالإسلام، ونفس تنهاني. وفي معناه للفرزدق:
فلو كنت ذا نفسين خاطرت مقبلًا ** بإحداهما من دونك الموت أحمرا

فإن هلكت إحداهما عشت بعدها ** بأخرى عست نفسي بها أن تعمرا

الآخر:
ولو كان لي قلبان عشت بواحد ** وأفردت قلبًا في هواك يعذب

ولكنما أحيا بقلب مروع فلا ** العيش يصفو لي ولا الحب يقرب

ثم نقض الفرزدق هذا القول في أخرى فقال:
لكل امرئ نفسان نفس كريمة ** وأخرى يعاصيها الفتى ويطيعها

ونفسك من نفسيك تشفع للندى ** إذا قل من أخدانهن شفيعها

{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (6) من بعضهم ببعض. وقيل: أولى بهم فيما رآه لهم، منهم بأنفسهم.
{وأزواجه أمهاتهم} في التحريم وفي التعظيم.
{ليسئل الصادقين عن صدقهم} (8) ألله كان ذلك أم الدنيا. أو ليسأل الأنبياء عن تبليغهم.
{إذ جاءتكم جنود} (9) لما أجلى النبي عليه السلام يهود بني النضير عن ديارهم، اجتمعوا وقدموا مكة، وحزبوا الأحزاب، وتذكر قريش طوائلهم يوم بدر، وقائدهم أبو سفيان وقائد غطفان عيينة بن حصن، وصار المشركون كلهم يدًا واحدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان قد وادع بني قريظة، وهم أصحاب حصون بالمدينة، فاحتال لهم حيي بن أخطب، ولم يزل يفتلهم في الذروة والغارب حتى نقضوا العهد، فعظم البلاء، فأشار سلمان بالمقام بالمدينة وأن يخندق.
{فأرسلنا عليهم ريحًا} (9) كانت ريح صبا تكب القدور وتطير الأخببية.
{إذ جاءوكم من فوقكم} (10) عيينة في أهل نجد. و{أسفل منكم} أبو سفيان في قريش بجميع عددهم وعددهم.
{زاغت الأبصار} شخصت. ويقال: حارت. وقيل: زاغت، أي: عن النظر إلى كل شيء إلا إلى عدوها.
{وبلغت القلوب الحناجر} لشدة الرعب والخفقان، فإن الحياة تنبع من القلب في الشرايين فينبض به، والخفقان حركة للقلب غير معتادة، يحس بها صاحبه حتى يقال: إنه يخرج فيها عن غشائه، وكان بلوغ القلوب الحناجر منه. كما قال زهير:
يصعد من خوفها الفؤاد فما ** يرقد بعض الرقاد صاحبها

وقيل: معنى بلغت كادت تبلغ، إذ القلب لو زال عن موضعه لمات صاحبه. وأفسد ابن الأنباري هذا التأويل، وقال: كاد لا يضمر ألبتة ولو جاز إضماره لجاز قام زيد بمعنى كاد يقوم، فيصير تأويل قام زيد: لم يقم زيد. والتأويل صحيح غير فاسد، لأن إضمار كاد أكثر من أن يحصى، ولكنه بحسب الموضع المحتمل، ودلالة الكلام.
ألا ترى أنك تقول: أوردت عليه من الإرهاب ما مات عنده، أي: كاد يموت، ومنه قول جرير:
إن العيون التي في طرفها مرض ** يقتلننا ثم لا يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ** وهن أضعف خلق الله أركانا

أي: كدن يقتلننا ويصرعن.
{وتظنون بالله الظنونا} (10) هذه الألف لبيان الحركة.
وكذلك في قوله: {الرسولا} و{السبيلا} لأنه لو وقف بالسكون لخفي إعراب الكلمة، فيوقف بالألف، كما يوقف بها في قوافي الشعر، وكما تدخل الهاء لبيان الحركة في: {ماليه} و{حسابيه}.
{وإذ قالت طائفة منهم} (13) وهم بنو سليم.
{يا أهل يثرب} وهي المدينة. وقيل: المدينة بعض منها.
{يقولون إن بيوتنا عورة} وهم بنو حارثة.
{ثم سئلوا الفتنة} (14) الرجوع عن الدين.
{وما تلبثوا} أي: عن الإجابة إلى الفتنة {إلا يسيرا} وقيل: ما تلبثوا حتى يهلكوا.
{هلم} (18) أصله لم أي: لم بنا، ثم دخلت عليها هاء التنبيه، فصار هالم، فحذفت الألف تخفيفًا.
{أشحة عليكم} (19) أي: بالخير والمواساة.
{سلقوكم} بلغوا في أذاكم بالكلام الموحش كل مبلغ.
{أسوة حسنة} (21) أي: حسن مواساة ومشاركة، إذ قاتل يوم أحد حتى جرح، وقتل عمه وخاصته.
{فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} (23) أي: الموت. قال بشر بن أبي خازم:
قضى نحب الحياة وكل حي ** إذا يدعى لميتته أجابا

وقيل: قضى نذره، ويجوز أن يكون نذر صدق القتال، وحسن العناء، كما قال كعب بن مالك الأنصاري:
قضينا من تهامة كل نحب ** وخيبر ثم أجممنا السيوفا

نخيرها فلو نطقت لقالت ** قواطعهن دوسًا أو ثقيفا

وقيل: قضى نحبه، أي: قضى حاجته وبلغ هواه، كما قال جرير:
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا ** عشية بسطام جرين على نحب

{وكفى الله المؤمنين القتال} (25) لما اشتد الخوف يوم الأحزاب أتى نعيم بن مسعود مسلمًا من غير أن علم قومه، فقال عليه السلام: «إنما أنت فينا رجل واحد وإنما غناؤك أن تخادع عنا، فالحرب خدعة». فخرج حتى أتى بني قريظة، وكان نديمهم، فذكرهم وده، وقال: إن قريشًا وغطفان من الطارئين على بلادكم، فإن وجدا نهزة وغنيمة أصابوها، وإلا لحقوا ببلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل، ولا قبل لكم به، فلا تقاتلوا حتى تأخذوا رهنًا من أشرافهم، ليناجزوا القتال. ثم أتى قريشًا وغطفان فذكرهم وده لهم، فقال: بلغني أمر أنصحكم فيه، فاكتموا علي، إن معشر اليهود ندموا، وترضوا محمدًا على أن يأخذوا منكم أشرافًا ويدفعوهم إليه، ثم يكونون معه عليكم. فوقع ذلك من القوم، وأرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة: أنا لسنا بدار مقام، وهلك الخف والحافر، فلنناجز محمدًا فطلبوا رهنًا، فقالت قريش وغطفان: إن حديث نعيم لحق. وتخاذل القوم، واتهم بعضهم بعضًا {وكفى الله المؤمنين القتال}.
{وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم} (26) من حصونهم.